السبت، 20 ديسمبر 2014

كيف يتم تقدير أعمار الحفريات؟



 علم الحفريات هو علم وسيط بين علم الأحياء وعلم الجيولوجيا. يهتم هذا العلم بدراسة كائنات ما قبل التاريخ، وكيفية تطورها وعلاقتها مع الظروف البيئية المحيطة. بدأت ممارسة هذا العلم منذ القرن الخامس قبل الميلاد، لكنه لم يؤسس بشكل حديث إلا في القرن الثامن عشر على يد العالم الفرنسي جورج كوفير (1769 - 1832) وأعماله في التشريح المقارن. تطوّر هذا العلم بشكل سريع جدا في القرن التاسع عشر، ويستخدم هذا العلم تكنيكات مأخوذة من علوم عديدة أخرى، كالكيمياء الحيوية، والجيولوجيا والهندسة والرياضيات وغيرها.


ولكن كيف يتم تقدير أعمار تلك الحفريات ؟


 


يتم تقدير أعمار الحفريات المكتشفة باستخدام قياس نسبة الكربون المشع فيها، وقد أثار تأريخ الكربون المشع ضجة كبرى منذ استخدمه لأول مرة الكيميائي الأمريكي ويلارد ليبي عام 1949 بعد أن أعطى تحديدا دقيقا إلى حد بعيد لعمر المواد العضوية كالعظام والشعر والنباتات والمنسوجات الطبيعية والأخشاب، 


والكربون المشع هو نظير مشع للكربون، يسمى الكربون 14، وينتج عندما تقصف الأشعة الكونية cosmic rays الغلاف الجوي للأرض بكثافة كما يحدث كل يوم، ويسلك الكربون 14 نفس سلوك النظائر غير المشعة للكربون وهي الكربون 12 والكربون 13 حيث يتحد مع الأكسجين مكونا غاز ثاني أكسيد الكربون، وتمتص جميع النباتات الكربون 12 ونظيره المشع الكربون 14 أثناء عملية البناء الضوئي، ولذلك فهي تصل كذلك إلى أنسجة البشر والحيوانات عبر امتصاصها عند تناول تلك النباتات، وتكون النسبة بين الكربون 12 والكربون 14 في جسم الكائنات الحية مماثلة لنسبتيهما في الغلاف الجوي في ذلك الوقت، وعند موت الكائنات الحية تظل كمية الكربون 12 ثابتة، بينما تبدأ كمية الكربون 14 في التآكل دون أن يحل محلها جديد كما يحدث أثناء حياة الكائن الحي، حيث تتحلل إلى نيتروجين 14 (أحد نظائر النيتروجين)، وتتآكل كمية الكربون 14 في المادة العضوية بمعدل فترة نصف عمر تبلغ 5730 سنة، بمعنى أن نصف الكمية من الكربون 14 تتآكل كل 5730 سنة، ولذلك يمكن على سبيل المثال قياس الكربون الباقي في شجرة متحجرة مقابل كميته في شجرة حية ليعطي ذلك دليلا على عمر الشجرة المتحجرة أو تأريخها، 

ويتم ذلك عن طريق أخذ عينة من المتحجرات المراد دراستها ثم معالجتها وحرقها لكي تتحول إلى غاز، ولأن ذرات الكربون 14 تتحلل إلى نيتروجين 14 فإنها تطلق إلكترونات يتم رصدها وعدها عن طريق كاشف الإشعاع radiation detector، ويعطي ذلك الأسلوب نتائج موثوقة في الحفريات التي لا يزيد عمرها عن خمسين ألف سنة، حيث لا يتبقى نسبة من الكربون يمكن قياسها إذا زاد عمر الحفريات عن ذلك، إلا أنه يمكن تطبيق مبدأ تأريخ الكربون 14 على العديد من النظائر الأخرى ذات فترة نصف عمر أكبر بكثير مثل البوتاسيوم 40 الذي يوجد داخل الجسم البشري وتبلغ فترة نصف عمره 1.3 مليار سنة، وكذلك اليورانيوم 235 ذو فترة نصف عمر 704 ملايين سنة، واليورانيوم 238 بفترة نصف عمر 4.5 مليارات سنة، والثوريوم 232 بفترة نصف عمر 14 مليار سنة، والروبيديوم 87 بفترة نصف عمر 49 مليار سنة، وحديثا يتم استخدام معجل الطيف الكتلي Accelerator Mass Spectrometry، والذي يقوم بعد الجزيئات في كتلة ما بعد وضعها في مجال مغناطيسي، ولذلك يمكن لمعجل الطيف الكتلي تحديد عمر كمية قليلة جدا من المادة العضوية، وإن كانت نتائجه أقل دقة، بدلا من الأسلوب التقليدي الذي يتطلب عينة كبيرة نسبيا من المادة المكتشفة يتم حرقها وتحويلها إلى غاز، وهو غالبا ما يرفضه المستكشفون وعلماء الآثار، ويشير الباحثون إلى أن الدقة العالية للنظائر المشعة في تحديد أعمار الحفريات والمكتشفات العضوية لا يجب أن تنسينا أن كثرة الأنشطة النووية والإشعاعية، والتي زادت بكثرة منذ الحرب العالمية الثانية، لابد وأن تؤثر على تلك الدقة في المستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق