الأحد، 21 ديسمبر 2014

الأمم البائدة..5-(قوم ثمود)



( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنُّذُرِ* فَقَالُوآ أَبَشَرَاً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ* أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِناً بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الكَذَّابُ الأَشِرُ ) (القمر: 23-26).


قوم ثمود كانوا عرب يسكنون الحجر بين الحجاز وتبوك.

ويروي لنا القرآن أن ثَمُوْداً كذبوا واستهتروا بالنذر التي أرسلها الله إليهم مثل عاد فلاقوا نفس المصير، وقد ظهرت إلى الضوء اليوم بفضل الأبحاث والدراسات التاريخية والجيولوجية أشياءُ لم تكن معروفة قبل إلى الضوء، مثل المنطقة التي أقام بها قوم ثمود، والبيوت التي بنوها، ونمط الحياة التي كانوا يعيشونها، إن ثمود التي ذكرت في القرآن الكريم هي حقيقة تاريخية أثبتتها العديد من الكشوف الأثرية.

قبل النظر إلى الكشوف الأثرية التي تتعلق بثمود، من المفيد العودة إلى قصة هؤلاء القوم في القرآن الكريم:

أرسل الله صالحاً (ع) إلى ثمود، وصالح هو فرد من أفراد القوم، إلا أن قومه لم يكونوا يتوقعون أن يأتيهم بدين الحق، لذلك فقد فوجئوا عندما سمعوا دعوته وأنه هجر ما كانوا عليه من الانحراف والضلال، كان أول ما جابهوه به أن قذفوه وشتموه:

     ( وإلى ثَمُودَ أَخَاهُم صَالحِاً قَالَ يَا قَومِ اعبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ واسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوآ إِلَيْه إِنَّ رَبِي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ* قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَآ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ) (هود: 61-62).

القليل من القوم استجابوا لصالح، إلا أن غالبية القوم لم يقبلوا دعوته، وكان أشدَّهم عداوةً عِلْيَةُ القومِ وزعماؤهم، غضبوا من صالح لأنه دعاهم لعبادة الله، فكذَّبوه وحاولوا أن يضطهدوا الذين آمنوا معه ويعذبوهم، ولم تكن ثمودً أوَّلَ من يفعل ذلك، فهم يكررون الخطأ الذي وقع فيه كلٌّ من قوم نوح وعاد الذين عاشوا قبلهم، لهذا نجد أن القرآن يقرن بين هؤلاء الأقوام الثلاثة:

   ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّناتِ فَرَدُّوآ أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِم وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيب ) (إبراهيم: 9).


وجاءهم صالح(ع) بآية الناقة ليرى هل يغير ذلك من نظرتهم فيتبعونه أم لا ؟ قال لقومه أن يشاركوا ناقته بمائهم، وأن لا يتعرضوا لها بالأذى.

أقامت الناقة ووليدها ترعى حيث شاءت من أرضهم,وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء ابئر يمها ذلك ,ويقال أنه كانوا يشربون من لبنها كفايتهم, فاتفقوا على أن يعقروا الناقة ليستريحوا منها ,ورضى الجميع بذلك حتى النساء والصبيان.

وقام بقتلها 9 رجال من ثمود ولهذا ذكر الله في سورة النمل "وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون"

أما ولد الناقة فيقال أنهم ذبحوه مع امه وقال آخرون أنه دخل في صخرة فغاب فيها والله أعلم.

   ( فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِم وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ المُرْسَلِينَ ) (الأعراف: 77).

فلما فعلوا ذلك وبلغ الخبر صالحاً فجاءهم وهم مجتمعون فلما رأى الناقة بكى وقال"تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب"

وكان قتلهم الناقة يوم الأربعاء,فعزم بعدها التسعة رجال هؤلاء على قتل صالح
فلما عزموا على ذلك وجاءوا من الليل ليفتكوا به ,أرسل الله سبحانه وتعالى عليهم حجارة فقتلتهم قبل قومهم .

أحبط الله مخططات القوم الكافرين وخدعتهم، وأنقذ صالحاً من بين يدي من أرادوا به سوءاً ...
بعد أن استنفذ صالح(ع) جميع الوسائل والطرق في تبليغ الرسالة، وبقي قومه على إعراضهم وعدم رغبتهم في الاستجابة له، أخبرهم بما سيصيبهم من هلاك خلال ثلاثة أيام:

     (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُم ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ) (هود: 65).

واصبحت ثمود يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام النظرة الثلاث, ووجوهم كانت مصفرة كما وعدهم صالح عليه السلام
وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ووجوه كانت محمرة
وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ووجوهم مسودة .

فلما أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه,عياذا بالله من ذلك ,لا يدرون ماذا يُفعل بهم ,ولا كيف يأتيهم العذاب وأشرقت الشمس,فجاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم,ففاضت الأرواح ,وزهقت الأنفس في ساعة واحدة
"فأصبحوا في دارهم جاثمين

 ..صرعى لا ارواح فيهم. ولم يفلت منهم أحدا,لا صغير ولا كبير ولا ذكر ولا أنثى...

 قالوا"إلا جارية واحدة كانت مقعدة-إسمها:كلبة ابنه السلق.ويقال لها"الزريفة". وكانت كافرة شديدة العدواة لصالح -عليه السلام- فلما رأت ما رأت من العذاب أسرعت تسعى خارج قومها,فأتت حياً من الأحياء..فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها,ثم إستسقتهم من الماء ,فلما شربت ماتت. "
 
وهكذا لم تبق منهم باقية.

 ( وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِم جَاثِمِيْنَ* كَأَنْ لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَا كَفَرُوا رَبَّهُم أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ) (هود: 67-68).



الاكتشافات الأثرية لقوم ثمود:


من بين الأقوام التي ذكرها القرآن هؤلاء القوم الذين يتوفر لدينا اليوم الكثير من المعلومات عنهم، إذ تثبت السجلات الأثرية أن قوم ثمود كانوا موجودين فعلاً في أحد الأزمان.
يعتقد أن أصحاب الحجر المذكورين في القرآن الكريم قوم ثمود، وقد ذكرهم القرآن الكريم باسمهم الآخر "أصحاب الحِجْر".

 لأن هذه المدينة هي إحدى المدن التي أوجدها هؤلاء القوم، ويتوافق وصف الجغرافي الإغريقي بليني مع هذا. كتب بليني أن "دوماثا" و"هجرا" كانتا منطقتي إقامة ثمود، وهذه الأخيرة هي التي بنت مدينة الحِجْر المعروفة اليوم.

إن أقدم المصادر القديمة التي تشير إلى ثمود هي سجلات النصر التاريخية للملك البابلي ، سيرجيون الثاني (القرن الثامن قبل الميلاد) الذي هزم هؤلاء القوم في إحدى حملاته على شمالي الجزيرة العربية، كما يشير الإغريق إليهم على أنهم "تامودي" أي ثمود في كتابات أرسطو و بتولمي وبليني 2 لقد اختفى هؤلاء القوم قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بشكل كامل، حوالي 400-600 ميلادي.

يَذْكُر القرآن عاداً وثَمُوداً مقترنتين، بل إنه يُذَكِّر ثَمُودا بعادٍ ويأمرهم أن يتعظوا منهم، هذا يعني أن ثَمُوداً كان لديها الكثير من المعلومات عن عاد.

(واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُم خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِها قُصُوراً وتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوآ آلاءَ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) (الأعراف: 74).

 كما يفهم من الآية أن ثموداً كانت على علاقة بعاد ، وقد تكون عادٌ جزءاً من تاريخ ثمود وحضارتها، لقد نصح صالح قومه بأن يتعظوا من عاد ويأخذوا منهم العبرة.

أخبر رسول عاد قومه عن قوم نوح الذين عاشوا قبلهم، وكما أن هناك رابطة تاريخية هامة بين عاد وثمود، كذلك هناك رابطة تاريخية هامة بين قوم نوح وعاد، هؤلاء الأقوام يعرفون بعضهم حتى إنه من الممكن أن يكونوا من نفس السلالة.


وتحت عنوان "ثمود" كتبت الموسوعة البريطانية المصغرة:

   ثمود  قبيلة أو قبائل في الجزيرة العربية القديمة يبدو أنها كانت من القبائل المشهورة، وبالرغم من أن منشأ ثمود هو جنوب الجزيرة العربية، إلا أن مجموعة كبيرة منها انتقلت إلى الشمال في تاريخ مبكر واستقرت على منحدرات جبل أثلب أن قوم ثمود الذين عاشوا بين الشام والحجاز يعرفون تحت اسم "أصحاب الحجر" ، لقد كشفت الحفريات الأثرية عن كتابات حجرية وصور ثمودية ضخمة ليس عند جبل أثلب فحسب، بل عبر وسط الجزيرة العربية أيضاً. 


واليوم وبالرغم من كل ما كانوا عليه، لم يبق منهم اليوم سوى هذه البقايا التي تخبرنا عن الفن الذي كان يطبع عصرهم. 

" وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ" [الشعراء:149]

 تبدو في الصور أمثلة عديدة عن النحت الحجري في وادي بترا في الأردن..








المصادر:
كتاب 100 قصة في نهاية الظالمين
الأمم البائدة-هارون يحيي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق