تخيل أن البشر استعمروا القمر

لنتخيل أن علاقتنا بالقمر لم تتوقف عند رحلات أبوللو الست بين عامي 1969 و 1972 البعض يؤكد أنها كانت مجرد خدعة أميركية لكن لنتخيل هنا أن السفر إلى القمر قد ازدهر منذ ذلك الحين وصار واقعا لدرجة أن ملايين الناس يعيشون اليوم عليه . كيف ستتأثر حياتنا نحن الأرضيين بذلك ؟
إذا كانت الحياة ستزدهر على سطح القمر لدرجة تدفعك للهجرة إليه ، فإن هذا يقتضي وجود مبرر مربح جدا يرغم مراكز صنع القرار السياسي والمالي على دعم ثمة مشروع مذهل . والحقيقة أن الاستثمار في القمر هو مجال واعد جدا .
مثلا هناك الهيليوم-٣ وهو أحد النظائر المشعة النادرة جدا على الأرض ، لكن يعتقد أنه متواجد بوفرة في جو القمر . ولهذا العنصر أهمية قصوى في عمليات الاندماج النووي وتعقد عليه آمال كبرى كمصدر بديل للطاقة ، يسعنا أن نفترض أن هناك مصانع لاستخراج وشحن الهيليوم -٣ إلى الأرض لحل أزمة الطاقة الخانقة التي سنمر بها .
تربة القمر أيضا خصبة جدا كما أثبتت التجارب . بوسعنا أن نتخيل مشروعا زراعيا جبارا على سطح القمر . نحن اليوم نتحدث عن تنافس المواشي مع المحاصيل على أراضينا الزراعية وعن أزمة في توفير الغذاء لمليارات البشر، هل يكون القمر بديلا ؟ لكن كيف سننقل مياه الريّ للقمر؟
عندكم أيضا السياحة الفضائية وهذا مشروع حقيقي تم انطلاقه . ليتخيل أحدكم نفسه في زيارة لأولاد خالته الذين ولدوا على القمر ويعيشون هناك . حيث يعمل والدهم في مصنع لتركيب الأدوية في أجواء الجاذبية المنخفضة ، وهذا أيضا مجال حقيقي ونادر . تخيل أنك أرتديت زيك الفضائي ورحت تتسابق مع أقاربك القمريين في سهول كوكبهم الشاسعة . وهذا خيال طريف : لأن جاذبية القمر هي أقل بكثير من جاذبية الأرض . ومعنى ذلك أن عضلاتك أنت ستواجه مقاومة أقل مما على الأرض . أنت ستقفز هناك لارتفاع المترين بسهولة . أما أقاربك القمريون فإنهم سيكرهون فكرة زيارتك على الأرض لأن أجسامهم قد تعودت على الجاذبية الضعيفة وستكون كل حركة على الأرض مرهقة جداً بالنسبة لهم !
بقيت الأسئلة الصعبة : من سيمتلك حقوق الإفادة من خيرات القمر هذه ؟ هل القمر هو ملكية مشاعة لكل الأرض ؟ أم للقوى التي تصل له أولا ؟ وإذا كانت أجيال ستولد وتعيش على القمر فما هي جنسياتها ؟ هل سيكونون تابعين للدول التي جاء منها أجدادهم ؟ ومع الزمن ، فهل سيطالب هؤلاء بالاستقلال عن الأرض على أساس أنهم أولى بالمزروعات ومصادر الطاقة التي يكدون لينتجوها ويشحنوها لنا ؟ هل سيثورون على نظرتنا لهم كمجرد أتباع أو خادمين للكوكب الأم ؟ إذا كانت الأرض اليوم تهددها الصراعات على مصادر الطاقة والمياه والموارد البشرية ، فكيف سيكون الحال مع جبهة جديدة مفتوحة على القمر ؟ هل سيكون القمر هو المعركة الأولى في حرب النجوم ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق