يقول الفيلسوف الإنجليزي الشهير فرانيسي بيكون : " لا يوجد جمال دون غرابة في المكونات " ، لعل هذا القول ينطبق على إبداع إدغار ألان بو Edgar Allan Poe الذي كان من رواد القصة القصيرة وأول من من كتبوها ، وإليه يرجع فضل ابتكار ما يسمى بأدب الرعب القوطي مع أن ذلك لا ينفي بالضرورة وجود اللون القصصي قبله، إلا أنه أول من وضع قواعد له فجعله شعبياً ذائع الصيت بعدما كان مقتصراً على بعض الأعمال القليلة المتناثرة التي لم تصل لحد تكوين تيار جديد في الأدب العالمي كذلك لا ننسى مساهمة (بو) في أدب الخيال العلمي .
النشأة و البدايات الأولى
ولد إدغار آلان بو في مدينة بوسطن بولاية ماتساشوستس الأمريكية في 19 يناير من عام 1809 ، كان والده (ديفيد بو) ووالدته إليزابيث ممثلين مغمورين في مسارح الدرجة الثالثة.
نشأ (بو) في أسرة مكونة من والديه اللذان كانا يعملان بمهنة التمثيل ، وثلاثة من الأطفال كان ترتيبه الثاني بينهم .. كان أخاه الأكبر ويليام وأخته الصغرى تسمى روزالي وقد توفي والده بعد مولدها بقليل مما حمل الأم على الرحيل إلى ريتشموند وكان برفقتها إدغار والصغيرة روزالي بينما بقي الأبن الأكبر ويليام في بالتيمور لدى أقارب له ..كانت والدته تعاني من السل وقد توفيت عندما أكمل إدغار عامه الثاني .. وكان مصير إدغار هو التبني ، فقد تبنته زوجة تاجر ثري تسمى فرانسيس آلان وكانت تعاني من العقم وليس لديها أطفال ، أما روزالي فقد تم تبنيها أيضاً ولكن بواسطة أسرة أخرى .. قامت فرانسيس آلان برعاية إدغار رعاية جيداً ولكنها فشلت في تبنيه رسمياً بسبب رفض الزوج جون آلان أن يمنح أسمه لطفل سليل والدين كانا يعملان بمهنة التمثيل ، التي كانت مهنة محتقرة في ذلك العصر ..
ظل إدغار في رعاية السيد والسيدة آلان وعندما بلغ السادسة من عمره أنتقل معهما إلى اسكتلندا ، وهي بلد يشتهر بالقلاع القديمة والثقافة التشاؤمية ، وبعد اسكتلندا أنتقل برفقة الزوجين آلان إلى إنجلترا وبقي هناك خمس سنوات ألتحق خلالها بمدرسة مانور في ستوك نوينجتن وهي عبارة عن قصر قديم حافل بالممرات والمتاهات وكان لهذه المدرسة تأثير قوي في أعمال بو الأدبية بعد ذلك ، إذ أوحت إليه بجو القصور المظلمة المخيفة الذي يسيطر على أغلب قصصه .
في سن الحادية عشرة عاد إدغار برفقة عائلة آلان إلى ريتشموند التي لم يحبها مطلقاً ودفعه رفض الزوج جون آلان منحه أسمه إلى سوء السلوك والشجار المتواصل ، مما أغضب متبنيه الذي أعتبره ناكراً للجميل ودفعه لمعايرته بأصله الحقير .. وهكذا بدأ العداء بين إدغار وبين راعيه جون آلان مما دفع الأخير لمحاولة التخلص منه بإرساله إلى جامعة في ( فرجينيا ) .. وفي الجامعة بدأ إدغار في إدمان الخمر والقمار ..كان رد فعل جون آلان على سوء سلوك إدغار هو إخراجه من الجامعة وإرغامه على العمل بوظيفة متواضعة وهذا زاد من مرارة إدغار ودفعه لترك منزل عائلة آلان والتوجه نحو ( بوسطن ).
ظهور الموهبة والأعمال الأولى
في ( بوسطن ) أصدر أول مجموعة شعرية له ، وألتحق بالجيش تحت أسم مستعار ولم يفلح في البقاء في الجيش لأنه كان يترك الطوابير العسكرية وينزوي بعيداً عن الأنظار ليكتب قصصه وأشعاره .. عندما تأزمت أوضاع إدغار عاد للاتصال براعيه القديم السيد جون آلان وأعتذر له عن سوء سلوكه معه ، فسامحه الزوج و أخرجه من الجيش عن طريق دفع مبلغ معين من المال .. وعند عودته إلى ( بالتيمور ) أصدر إدغار المجموعة الشعرية الثانية له .. وقبل مرور عام على عودته ألتحق إدغار بالأكاديمية العسكرية وكان امتناعه عن المواظبة على الدراسة سبباً في تأزم الأوضاع للمرة الثانية بينه وبين جون آلان .. وحلت الكارثة الكبرى بوفاة فرنسيس آلان ، وبعدها بقليل تزوج السيد جون آلان وتخلى نهائياً عن إدغار !
بالتيمور وحب فرجينيا
بعد تخلي جون آلان عنه أنتقل إدغار للإقامة مع عمة له تدعى كليم والتي كانت مجرد خياطة فقيرة تقيم في ( بالتيمور ) .. وهو في رعاية عمته بدأ إدغار في كتابة القصص القصيرة دون أن يحصل على فرصة تتيح له نشرها .. ولكن في عام 1833 عقدت مسابقة للقصة القصير والشعر ، وأشترك إدغار في كلا الفرعين ، وفازت قصته ( الكوليزة والمخطوطة المعثور عليها في زجاجة ) بالمركز الأول وحصل إدغار على خمسين دولاراً ..
وقد حصل إدغار بفضل هذه المسابقة على فرصة للعمل في مجلة ( ريتشموند ) الأدبية .. وبعد فترة وصل إلى رئاسة تحريرها ، وهكذا تزوج إدغار من ابنة عمته فرجينيا ووصل إلى مستوى جيد في الحياة وكان بإمكانه أن يعيش سعيداً .. لولا أنه كان ممن لا يحسنون استغلال الفرص المتاحة لهم !
تخبط لا ينتهي !
لم يكن إدغار آلان بو ذا شخصية سوية .. ولنقل إنه لم يكن إنساناً عادياً ، وكان أقرب ما يكون للهوس والجنون وأيضاً كان يعاني من نوع غريب من الفوبيا وهو الخوف من ( الدفن حياً ) وهو الخوف الذي عبر عنه في قصص كثيرة .. وبإضافة إدمانه للخمر فلم يبقى لـ إدغار فرصة للحياة السعيدة .. و تسببت الخمر في طرده من المجلة ، فأنتقل إلى نيويورك ليعيش هو وزوجته عالة على والدتها ؛ عمته كليم
و أول رواية نجح بو في نشرها كان أسمها (حكاية آرثر جوردون وتم نشرها عام 1837 .. بعدها بعامين أنتقل إلى ( فيلادلفيا ) مع أسرته ، وبدأ في العمل بمجلة ( بيرتون جنتلمان ) وعلى صفحاتها نشر أولى مجموعاته القصصية للرعب عام 1840 .. نشر بو قصته البوليسية (جريمة قتل في المشرحة ) التي تم ترجمتها إلى اللغة الفرنسية .. وفي عام 1843 حصلت قصته ( الحشرة الذهبية ) على جائزة قدرها مائة دولار من جريدة ( فيلادلفيا ).
وفي العام التالي مباشرة عاد إلى ( نيويورك ) وهناك نشر قصيدته ( الغراب ) التي تسببت في شهرة مدوية له في الأوساط الأدبية ..
ولكن كل هذه النجاحات لم تفد إدغار على المستوى الشخصي وكان إدمانه للخمر سبباً في سوء حالته المزاجية دائماً .. وكانت الضربة القاضية له هي إصابة زوجته فرجينيا بالسل ووفاتها المبكرة .. وقد بلغ سوء حالة بو المادية حد أنه لم يجد مالاً كافياً لشراء كفن لزوجته فقام باقتراض كفن لها من أحد جيرانه !
نهاية مأساوية لموهبة خطيرة !
بعد موت زوجته المحبوبة زاد إدمان إدغارآلان بو للخمر وزادت حالته سوء وأخذ يكتب بجنون كتاباً سماه ( وجدتها ) أودعه كل جنونه وخيالاته المريضة .. وعاد بو للتجوال بين المدن .. وأخيراً عاد إلى بالتيمور وفي عام 1849 وجد ميتاً فوق مقعد بإحدى الحدائق العامة !
أشهر أعمال إدغار آلان بو
أولاً : القصائد
- حلم داخل حلم (1827)
- تيمورلنك (1827)
- الأعراف (1829) وهي قصيدة مبنية على سورة الأعراف من القرآن الكريم.
- إسرافيل (1831) وهي قصيدة مبنية على القَصَص الإسلامي
- إلى ساكن الجنان (1834)
- الدودة المنتصرة (1837)
- الغراب (1845)
- آنابيل لي (1849)، وهي آخر قصيدة كتبها قبل مماته.
ثانياً : القصص
- سقوط بيت أشر (1839)
- القلب المليء بالقصص (1843)
- الخنفسة الذهبية (1843) وهي مجموعة قصص.
- القط الأسود (1843)
- بضع كلمات مع مومياء (1845)
ثالثاً : القصص الفانتازية
- الليلة الألف واثنين لشهرزاد (1850) (
- قصة من القدس (1850)
- السقوط في الفوضى (1850)
- الثمان أورانج أوتانات المقيدة أو الضفدع النطاط (1850)
رابعاً : سلسلة قصص أوجست دوبان
- جرائم القتل في شارع المشرحة (1841)
- لغز ماري روجيه (1843)
إعداد وكتابة : منال عبد الحميد
المصدر
- Wikipedia
- كتب ومراجع أخرى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق